الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: عن ابن عباس وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه الظهر، ورأى المشركون ذلك، فقالوا بعد ذلك: بئسما صنعنا حيث لم نقدم عليهم، وعزموا على ذلك عند الصلاة الأخرى، فأطلع الله نبيّه صلى الله عليه وسلم على أسرارهم بهذه الآية. اهـ. .قال القرطبي: وفي هذه الآية أدلّ دليل على تعاطي الأسباب، واتخاذ كل ما يُنجي ذوي الألباب، ويوصّل إلى السّلامة، ويبلغ دار الكرامة. ومعنى {مَّيْلَةً وَاحِدَةً} مبالغة، أي مستأصلة لا يُحتاج معها إلى ثانية. اهـ. .قال الفخر: المعنى أنه إن تعذر حمل السلاح إما لأنه يصيبه بلل المطر فيسود وتفسد حدته، أو لأن من الأسلحة ما يكون مبطنًا فيثقل على لابسه إذا ابتل بالماء، أو لأجل أن الرجل كان مريضًا فيشق عليه حمل السلاح، فههنا له أن يضع حمل السلاح. اهـ. .قال القرطبي: للعلماء في وجوب حمل السلاح في الصلاة كلام قد أشرنا إليه، فإن لم يجب فيستحب للاحتياط. ثم رخّص في المطر وضعه؛ لأنه تبتلّ المبطنّات وتثقل ويصدأ الحديد. وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نَخْلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يوما مَطِيرا وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعا سلاحه، فرآه الكفار منقطعًا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث فانحدر عليه من الجبل بسيفه. فقال: من يمنعك مني اليوم؟ فقال: «الله» ثم قال: «اللّهُمّ اكفني الغورث بما شئت». فأهوى بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فانكب لوجهه لزلقة زلقها. وذكر الواقديّ أن جبريل عليه السلام دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة، وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من يمنعك مني يا غورث»؟ فقال: لا أحد. فقال «تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك»؟ قال: لا؛ ولكن أشهد ألا أقاتلك بعد هذا ولا أعين عليك عدّوًا؛ فدفع إليه السيف: ونزلت الآية رخصةً في وضع السلاح في المطر. ومَرِض عبد الرحمن بن عَوْف من جرح كما في صحيح البخاري، فرخص الله سبحانه لهم في ترك السلاح والتأهّب للعدّو بعذر المطر. اهـ. .قال الألوسي: .قال الفخر: .قال القرطبي: وقال الضحاك في قوله تعالى: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} يعني تقلّدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة. اهـ. .قال الفخر: ومنهم من قال: إنه سنة مؤكدة، والأصح ما بيناه ثم الشرط أن لا يحمل سلاحًا نجسًا إن أمكنه، ولا يحمل الرمح إلا في طرف الصف، وبالجملة بحيث لا يتأذى به أحد. اهـ. قال الفخر: قال أبو على الجرجاني (صاحب النظم): قوله تعالى: {وخذوا حذركم} يدل على أنه كان يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بصلاة الخوف على جهة يكون بها حاذرًا غير غافل عن كيد العدو. والذي نزل به القرآن في هذا الموضع هو وجه الحذر، لأن العدو يومئذ بذات الرقاع كان مستقبل القبلة، فالمسلمون كانوا مستدبرين القبلة، ومتى استقبلوا القبلة صاروا مستدبرين لعدوهم، فلا جرم أمروا بأن يصيروا طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة مع النبي عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة، وأما حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان وببطن نخل فإنه لم يفرق أصحابه طائفتين، وذلك لأن العدو كان مستدبر القبلة، والمسلمون كانوا مستقبلين لها، فكانوا يرون العدو حال كونهم في الصلاة فلم يحتاجوا إلى الاحتراس إلا عند السجود، فلا جرم لما سجد الصف الأول بقي الصف الثاني يحرسونهم، فلما فرغوا من السجود وقاموا تأخروا وتقدم الصف الثاني وسجدوا وكان الصف الأول حال قيامهم يحرسون الصف الثاني، فثبت بما ذكرنا أن قوله تعالى: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} يدل على جواز هذه الوجوه؛ والذي يدل على أن المراد من هذه الآية ما ذكرناه أنا لو لم نحملها على هذا الوجه لصار تكرارًا محضًا من غير فائدة، ولوقع فعل الرسول بعسفان وببطن نخل على خلاف نص القرآن وإنه غير جائز، والله أعلم. اهـ. قال الفخر: قالت المعتزلة: إن الله تعالى أمر بالحذر، وذلك يدل على كون العبد قادرًا على الفعل وعلى الترك وعلى جميع وجوه الحذر، وذلك يدل على أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى، وجوابه ما تقدم من المعارضة بالعلم والداعي، والله أعلم. اهـ. قال الفخر: دلت الآية على وجوب الحذر عن العدو، فيدل على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، وبهذا الطريق كان الإقدام على العلاج بالدواء والعلاج باليد والاحتراز عن الوباء وعن الجلوس تحت الجدار المائل واجبًا والله أعلم. اهـ. .قال البيضاوي: .قال الألوسي: .قال الخازن: وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال أبو يوسف والحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة صلاة الخوف كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لغيره بعده فعلها، وقال المزني من أصحاب الشافعي كانت ثابتة ثم نسخت واحتجوا لصحة هذا القول بأن الله تعالى خاطب نبيّه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} وظاهر هذا يدل على أن إقامة الصلاة مشروطة بكون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فدل على تخصيصه بها ولأن كلمة إذا تفيد الشرط وذهب جمهور العلماء والفقهاء إلى أن هذا الحكم لما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم بحكم هذه الآية وجب أن يثبت في حق غيره من أمته لقوله تعالى: {فاتبعوه} ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولأن ذلك إجماع الصحابة على فعلها وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه صلّى صلاة الخوف بأصحابه ليلة الهرير وكذلك أبو موسى صلّى بأصحابه بطبرستان وليس لهؤلاء مخالف من الصحابه وأجيب عن قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} بأن هذا وإن كان قد خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فإن سائر أمته داخلون في هذا الحكم فهو كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} إلا أن يرد نص بتخصيصه صلى الله عليه وسلم بحكم دون أمته كقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} ونظير قوله: {وإذا كنت فيهم} قوله: {خذ من أموالهم صدقة} وإذا كان هو المخاطب بها وقد ثبت حكم أخذ الزكاة لمن بعده من الأئمة كان كذلك قوله وإذا كنت فيهم وأجيب عن لفظه إذا: بأن مقتضاه الثبوت عند الثبوت وأما العدم عند العدم فغير مسلم.
|